فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال عبد الكريم الخطيب:

(109) سورة الكافرون:
نزولها: مكية.
نزلت بعد سورة الماعون.
عدد آياتها: ست آيات.
عدد كلماتها: ثمان وعشرون كلمة.
عدد حروفها: أربعة وتسعون حرفا.
مناسبتها لما قبلها:
الكوثر الذي أعطاه اللّه سبحانه وتعالى النبي صلوات اللّه وسلامه عليه- كان في مقابله البتر والحرمان من كل خير لمن يشنأ هذا النبي، الذي وضع اللّه سبحانه وتعالى، الخير كله في يده.. وهذا مجمل ما تحدثت عنه سورة (الكوثر) وفى سورة (الكافرون) التي تأتى بعد هذه السورة، موقف بين النبي- صلوات اللّه وسلامه عليه- وما أعطاه اللّه سبحانه من خير كثير، يفيض من النبع الأعظم، وهو الإيمان باللّه- وبين المشركين الذين عزلوا أنفسهم عن هذا الخير، وحرموا أن ينالوا شيئا منه.. وفى هذا الموقف يعلن النبي عن هذا الخير الذي من اللّه به عليه، وأنه ممسك به، مقيم عليه، لا يصرفه عنه شيء من هذه الدنيا..
فهو لا يعبد غير اللّه سبحانه وتعالى، ولا يتحول عن عبادته أبدا، ولا ينظر إلى شيء وراءه من مال وبنين!!
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيات: (1- 6) [سورة الكافرون (109): الآيات 1- 6]
{قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (1)}
التفسير:
كان مما يلقى به المشركون النبي لصرفه عن دعوته- أن يجمعوا له مالا، إن كان يريد مالا، حتى يكون أكثرهم مالا، وأوسعهم غنى، أو يقيموه رئيسا عليهم، إن كان يطمع في الرياسة، أو يزوجوه أجمل بناتهم، وأكرمهم نسبا، إن كان يرغب في ذلك.. فلما لم يلقوا من النبي الكريم إلا تساميا عن هذه المطالب الرخيصة، وإلا إعراضا عنها، وأنه لا يتحول عن الدّين الذي يدعو إليه، ولو وضعوا الشمس في يمينه، والقمر في يساره!- لمّا لم يجدوا استجابة من النبي في ترك دعوته، جاءوه يعرضون عليه أن يخلطوا دينهم بدينه، وأن يجمعوا بينهما، فيعبدون هم ما يعبده النبي إلى جانب ما يعبدون ويعبد هو ما يعبد المشركون إلى جانب معبوده الذي يعبده فإن كان الذي جاء به خيرا مما معهم شاركوه فيه، وأخذوا حظهم منه، وإن كان الذي هم عليه خيرا مما جاء به شاركهم فيه، وأخذ حظه منه.. وبهذا تنقطع أسباب الشقاق، والعداوة، بينهم وبينه، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأمرونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ} (64: الزمر).. وهذا من ضلال القوم وسفه أحلامهم، وسوء معتقدهم.. فإن الحق كلّ لا يتجزأ، ولا يتبعّض.. فإما أن يكون ما يعبدون حقا، وإذن فإنّ خلطه بشيء دخيل عليه يغيّر من صورته، ويفسد حقيقته، فلا يكون حقا، ولا يكون باطلا، وإنما هو حق وباطل معا.. وإما أن يكون باطلا، وإذن فلم يمسكون به، ويحرصون عليه؟.. وإن في تفريطهم في معتقدهم على هذا الوجه لدليلا على أنه معتقد فاسد، وأنهم هم أنفسهم لا يجدون فيه ما يقيمهم منه على يقين به، واطمئنان إليه، وأنه من السهل الميسور عندهم أن يبيعوه بالثمن البخس لأول عارض يعرض لهم.
فالمخاطبون من قريش هنا هم الكافرون الذين حكم عليهم بالكفر حكما مؤبّدا، وأنهم لن يؤمنوا أبدا، ولهذا أخذوا هذا الوضع في سورة خاصة بهم..
قوله تعالى: {قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ}..
الكافرون هنا، هم المشركون من قريش..
وقوله تعالى: {لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ}أي أنا لا أعبد المعبودات التي تعبدونها. إن لى معبودا لا أعبد سو اه..
وقوله تعالى: {وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ} أي وأنتم لا تعبدون الإله الذي أعبده أنا.. إن لكم آلهة تعبدونها، غير الإله الذي أعبده..
فهناك إذن اختلاف بعيد بينى وبينكم، في ذات المعبود الذي أعبده، وذوات المعبودات التي تعبدونها. هذا هو حالى وحالكم الآن.. وهذا هو الحكم فيما أعبد، وفيما تعبدون.. وتلك حقيقة لا خلاف بيننا عليها.. أنا لا أعبد معبوداتكم، وأنتم لا تعبدون معبودى..
وقوله تعالى: {وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ}..
هو تعقيب على هذا الحكم العام المطلق، وينبنى عليه: أننى لا أنا عابد ما عبدتم، في أي حال من أحوالى، لا حاضرا ولا مستقبلا.. ولا أنتم عابدون في المستقبل الإله الذي أعبده.. فأنا على ما أنا عليه من عبادة الإله الذي أعبده، لا أتحول عن عبادته، وأنتم على ما أنتم عليه من عبادة ما تعبدون من معبودات لا تتحولون عن عبادتها..
وهذا يعنى أن الذين خوطبوا بهذا الخطاب من المشركين، لم يدخلوا في الإسلام، ولم يؤمنوا باللّه، بل ماتوا على شركهم.. وهذا ما يفهم من قوله تعالى: {قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ} ففى وصف المشركين بالكفر إشارة إلى أنهم من الذين استبدّ بهم العناد، وركبهم الضلال، فانتقلوا- بدعوة النبي لهم إلى الإيمان باللّه- انتقلوا من الشرك إلى الكفر الصريح..
يقول الطّبرسى في تفسيره: يريد (أي بالكافرين) قوما معينين، لأن الألف واللام للعهد..
والقرآن الكريم، حين يلقى رءوس المشركين، ومن غلبت عليه الشّقوة منهم ممن لا يدخلون في دين اللّه أبدا- كان يخاطبهم بوصف الكافرين لا المشركين، ومن ذلك قوله تعالى: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} (15- 17 الطارق).. ويقول سبحانه في أحد رءوس هؤلاء المشركين: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقال لَأُوتَيَنَّ مالًا وَولدا أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْدًا كَلَّا سَنَكْتُبُ ما يَقول وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا} (77- 79 مريم)..
فهؤلاء المخاطبون بوصف الكفر من المشركين، قد ماتوا على الكفر، وسيلقون جزاء الكافرين في الآخرة.. إنهم قبل دعوتهم إلى الإسلام كانوا مشركين، فلما لم يستجيبوا لهذه الدعوة انتقلوا من الشرك إلى الكفر.. وكذلك أهل الكتاب، كانوا قبل دعوة النبي لهم ضلّالا، فلما دعاهم وأبوا أن يؤمنوا، صاروا كفارا.
وقوله تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}.
هو فصل الخطاب، ومقطع الأمر فيما بين النبىّ، وهؤلاء الكافرين..
إن لهم دينهم الذي يدينون به ويحاسبون عليه، وهو له دينه الذي يدين به، ويلقى ربه عليه.
{وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ} (41: يونس). اهـ.

.قال ابن عاشور:

{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)}
افتتاحها بـ: {قلْ} للاهتمام بما بعد القول بأنه كلام يراد إبلاغه إلى الناس بوجه خاص منصوص فيه على أنه مرسل بقول يبلغه وإلا فإن القرآن كله مأمور بإبلاغه، ولهذه الآية نظائر في القرآن مفتتحة بالأمر بالقول في غير جواببٍ عن سؤال منها: {قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء للَّه} في سورة الجمعة.
والسور المفتتحة بالأمر بالقول خمس سور: {قل أوحي} [الجن: 1]، وسورة الكافرون، وسورة الإخلاص، والمعوّذتان، فالثلاث الأول لقول يبلِّغه، والمعوّذتان لقول يقوله لتعويذ نفسه.
والنداء موجه إلى الأربعة الذين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم فلنعبد ما تعبد وتعبد ما نعبد، كما في خبر سبب النزول وذلك الذي يقتضيه قوله: {ولا أنتم عابدون ما أعبد} كما سيأتي.
وابتدئ خطابهم بالنداء لإِبلاغهم، لأن النداء يستدعي إقبال أذهانهم على ما سيلقى عليهم.
ونُودوا بوصف الكافرين تحقيرًا لهم وتأييدًا لوجه التبرؤ منهم وإيذانًا بأنه لا يخشاهم اذا ناداهم بما يَكرهون مما يثير غضبهم لأن الله كفاه إياهم وعصمه من أذاهم.
قال القرطبي: قال أبو بكر بن الأنباري: إن المعنى: قل للذين كفروا يا أيها الكافرون أن يعتمدهم في ناديهم فيقول لهم: يا أيها الكافرون، وهم يغضبون من أن ينسبوا إلى الكفر.
فقوله: {لا أعبد ما تعبدون} إخبار عن نفسه بما يحصل منها.
والمعنى: لا تحصل مني عبادتي ما تعبدون في أزمنة في المستقبل تحقيقًا لأن المضارع يحتمل الحال والاستقبال فإذا دخل عليه (لا) النافية أفادت انتفاءه في أزمنة المستقبل كما درج عليه في (الكشاف)، وهو قول جمهور أهل العربية.
ومن أجل ذلك كان حرف (لَن) مفيدًا تأكيد النفي في المستقبل زيادة على مطلق النفي، ولذلك قال الخليل: أصل (لَن): لا أنْ، فلما أفادت (لا) وحدها نفي المستقبل كان تقدير (أنْ) بعد (لا) مفيدًا تأكيد ذلك النفي في المستقبل فمن أجل ذلك قالوا إن (لن) تفيد تأكيد النفي في المستقبل فعلمنا أن (لا) كانت مفيدة نفي الفعل في المستقبل.
وخالفهم ابن مالك كما في (مغني اللبيب)، وأبو حيان كما قال في هذه السورة، والسهيلي عند كلامه على نزول هذه السورة في (الروض الأنف).
ونفي عبادته آلهتهم في المستقبل يفيد نفي أن يعبدها في الحال بدلالة فحوى الخطاب، ولأنهم ما عرضوا عليه إلا أن يعبد آلهتهم بعد سنة مستقبلة.
ولذلك جاء في جانب نفي عبادتهم لله بنفي اسم الفاعل الذي هو حقيقة في الحال بقوله: {ولا أنتم عابدون}، أي ما أنتم بمغيِّرين إشراككم الآن لأنهم عرضوا عليه أن يبتدِئوا هُم فيعبدوا الرب الذي يعبده النبي صلى الله عليه وسلم سنة.
وبهذا تعلم وجه المخالفة بين نظم الجملتين في أسلوب الاستعمال البليغ.
وهذا إخباره إياهم بأنه يعلم أنهم غير فاعلين ذلك من الآن بإنباء الله تعالى نبيئه صلى الله عليه وسلم بذلك فكان قوله هذا من دلائل نبوءته نظير قوله تعالى: {فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا} [البقرة: 24] فإن أولئك النفر الأربعة لم يُسلم منهم أحد فماتوا على شركهم.
ومَا صدقُ {ما أعبد} هو الله تعالى وعبر بـ: {ما} الموصولة لأنها موضوعة للعاقل وغيره من المختار وإنما تختص (مَن) بالعاقل، فلا مانع من إطلاق (ما) على العاقل إذا كان اللبس مأمونًا.
وقال السهيلي في (الروض الأنف): إن (ما) الموصولة يؤتى بها لقصد الإِبهام لتفيد المبالغة في التفخيم كقول العرب: سبحان ما سَبَّح الرعد بحمده، وقوله تعالى: {والسماء وما بناها} كما تقدم في سورة الشمس.
{وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4)} عطف على {ولا أنتم عابدون ما أعبد} [الكافرون: 3] عطفَ الجملة على الجملة لمناسبة نفي أو يعبدوا الله فأردف بنفي أن يعبد هو آلهتهم، وعطفُه بالواو صارف عن أن يكون المقصود به تأكيدَ {لا أعبد ما تعبدون} فجاء به على طريقة: {ولا أنتم عابدون ما أعبد} بالجملة الإسمية.
للدلالة على الثبات، وبكَون الخبر اسم فاعل دالًا على زمان الحال، فلما نفَى عن نفسه أن يعبد في المستقبل ما يعبدونه بقوله: {لا أعبد ما تعبدون} كما تقدم آنفًا، صرح هنا بما تقتضيه دلالة الفحوى على نفي أن يعبد آلهتهم في الحال، بما هو صريح الدلالة على ذلك لأن المقام يقتضي مزيد البيان، فاقتضى الاعتمادَ على دلالة المنطوق إطنابًا في الكلام، لتأييسهم مما راودوه عليه ولمقابلة كلامهم المردود بمثله في إفادة الثبات.
وحصل من ذلك تقرير المعنى السابق وتأكيده، تبعًا لمدلول الجملة لا لموقعها، لأن موقعها أنها عطف على جملة: {ولا أنتم عابدون ما أعبد} وليست توكيدًا لجملة: {لا أعبد ما تعبدون} بمرادفها لأن التوكيد للفظ بالمرادف لا يعرف إلا في المفردات ولأن وجود الواو يُعيِّن أنها معطوفة إذ ليس في جملة: {لا أعبد ما تعبدون} واو حتى يكون الواو في هذه الجملة مؤكدًا لها.
ولا يجوز الفصل بين الجملتين بالواو لأن الواو لا يفصل بها بين الجملتين في التوكيد اللفظي.
والأجود الفصل بـ: (ثم) كما في (التسهيل) مقتصرًا على (ثُم).
وزاد الرضي الفَاء ولم يأت له بشاهد ولكنه قال: وقد تكون (ثم) والفاء لمجرد التدرج في الارتقاء وإن لم يكن المعطوف مترتبًا في الذكر على المعطوف عليه وذلك إذا تكرر الأول بلفظه نحو: بالله، فالله، ونحو واللَّهِ ثم واللَّهِ.
وجيء بالفعل الماضي في قوله: {ما عبدتم} للدلالة على رسوخهم في عبادة الأصنام من أزمان مضت، وفيه رمز إلى تنزهه صلى الله عليه وسلم من عبادة الأصنام من سالف الزمان وإلا لقال: ولا أنا عابد ما كُنا نعبد.
{وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5)}
عطف على جملة: {ولا أنا عابد ما عبدتم} [الكافرون: 4] لبيان تمام الاختلاف بين حاله وحالهم وإخبار بأنهم لا يعبدون الله إخبارًا ثانيًا تنبيهًا على أن الله أعلمه بأنهم لا يعبدون الله، وتقويةً لدلالة هذين الإِخبار على نبوءته صلى الله عليه وسلم فقد أخبر عنهم بذلك فماتَ أولئك كلهم على الكفر وكانت هذه السورة من دلائل النبوءة.
وقد حصل من ذكر هذه الجملة بمثل نظيرتها السابقة توكيد للجملة السابقة توكيدًا للمعنى الأصلي منها، وليس موقعها موقع التوكيد لوجود واو العطف كما علمت آنفًا في قوله: {ولا أنا عابد ما عبدتم}.
ولذلك فالواو في قوله هنا: {ولا أنتم عابدون ما أعبد} عاطفة جملة على جملة لأجل ما اقتضته جملة: {ولا أنتم عابدون ما أعبد} من المناسبة.
ويجوز أن تكون جملة {ولا أنتم عابدون ما أعبد} تأكيدًا لفظيًا لنظيرتها السابقة بتمامها بما فيها من واو العطف في نظيرتها السابقة وتكون جملة: {ولا أنا عابد ما عبدتم} معترضة بين التأكيد والمؤكد.
والمقصود من التأكيد تحقيق تكذيبهم في عَرضهم أنهم يعبدون رب محمد صلى الله عليه وسلم.
{لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)}
تذييل وفذلكة للكلام السابق بما فيه من التأكيدات، وقد أُرسل هذا الكلام إرسالَ المثل وهو أجمع وأوجز من قول قيس بن الخطيم:
نَحْن بما عندنا وأنتَ بما ** عنْدك راض والرأي مختلف

ووقع في (تفسير الفخر) هنا: جرت عادة الناس بأن يتمثلوا بهذه الآية عند المتاركة وذلك غير جائز لأنه تعالى ما أنزل القرآن ليتمثل به بل ليتدبَّر فيه ثم يعمل بموجبه. اهـ.
وهذا كلام غير محرر لأن التمثل به لا ينافي العمل بموجبه وما التمثل به إلا من تمام بلاغته واستعداد للعمل به.
وهذا المقدار من التفسير تركه الفخر في المسودة.
وقدم في كلتا الجملتين المسندُ على المسند إليه ليفيد قصر المسند إليه على المسند، أي دينكم مقصور على الكون بأنه لكم لا يتجاوزكم إلى الكون لي، وديني مقصور على الكون بأنه لا يتجاوزني إلى كونه لكم، أي لأنهم محقق عدم إسلامهم.
فالقصر قصر إفراد، واللام في الموضعين لشِبه الملك وهو الاختصاص أو الاستحقاق.
والدين: العقيدة والملة، وهو معلومات وعقائد يعتقدها المرء فتجري أعماله على مقتضاها، فلذلك سمي دِينًا لأن أصل معنى الدين المعاملة والجزاء.
وقرأ الجمهور {دين} بدون ياء بعد النون على أن ياء المتكلم محذوفة للتخفيف مع بَقاء الكسرة على النون.
وقرأه يعقوب بإثبات الياء في الوصل والوقف.
وقد كتبت هذه الكلمة في المصحف بدون ياء اعتمادًا على حفظ الحفاظ لأن الذي يُثبت الياء مثل يعقوب يُشبع الكسرة إذ ليست الياء إلا مَدّة للكسرة فعدم رسمها في الخط لا يقتضي إسقاطها في اللفظ.
وقرأ نافع والبزي عن ابن كثير وهشام عن ابن عامر وحفص عن عاصم بفتح الياء من قوله: {ولي}.
وقرأه قنبل عن ابن كثير وابنُ ذكوان عن ابن عامر وأبو بكر عن عاصم وحمزة والكسائي وأبو جعفر ويعقوب وخلف بسكون الياء. اهـ.